صياغة مشكلة بحثية قوية: حجر الأساس لأي دراسة ناجحة .

تُعَدُّ صياغة مشكلة البحث الخطوة الأولى والأكثر أهمية في أي دراسة علمية، لأنها تمثل البوصلة التي تُوجِّه الباحث في جميع مراحل العمل البحثي. فالمشكلة هي المحرك الأساسي الذي يدفع الباحث إلى طرح الأسئلة، وجمع البيانات، وتحليل النتائج، للوصول إلى تفسير علمي منطقي. ومن دون صياغة دقيقة ومحددة للمشكلة، يصبح البحث مجرد تجميعٍ عشوائيٍّ للأفكار والمعلومات دون هدف واضح أو نتيجة مفيدة.

تبدأ صياغة المشكلة عادةً من ملاحظة علمية أو ظاهرة واقعية تستدعي التفسير أو المعالجة. ثم يقوم الباحث بمراجعة الأدبيات السابقة ليكتشف الثغرات أو الفجوات البحثية التي لم تُتناول بعد، وهي ما يُعرف بـ"الفجوة المعرفية". هذه الفجوة تمثل جوهر المشكلة البحثية، إذ تعبّر عن حاجة المجتمع العلمي لإجابة جديدة تضيف قيمة للمعرفة القائمة.

ولكي تكون صياغة المشكلة قوية، ينبغي أن تتصف بعدة خصائص رئيسة:أولاً، الوضوح والدقة في التعبير؛ فلا تحتمل المشكلة أكثر من تفسير واحد.ثانيًا، القابلية للبحث والتحقق العلمي؛ فلا يجوز صياغة مشكلة لا يمكن اختبارها أو جمع بيانات كافية حولها.ثالثًا، الواقعية والأهمية؛ فالمشكلة يجب أن تمسّ قضية حقيقية تُفيد الباحثين أو المجتمع.وأخيرًا، يجب أن تكون مرتبطة ارتباطًا مباشرًا بأهداف البحث وفرضياته، لأن الانسجام بين هذه العناصر يعكس قوة التصميم البحثي.

أما من الناحية الشكلية، فيُفضَّل أن تُكتب المشكلة إما في صيغة استفهامية

 مثل: "ما أثر استخدام التكنولوجيا التعليمية على تحصيل طلاب الجامعة؟"، أو في صيغة تقريرية مثل: "تواجه الجامعات تحديات في توظيف التكنولوجيا بفعالية في التعليم الجامعي."وفي كلتا الحالتين، ينبغي أن تكون الجمل خالية من الغموض والمصطلحات الفضفاضة.

كذلك، لا بد أن يدعم الباحث صياغته بمبررات من الدراسات السابقة، موضحًا أوجه القصور أو الاختلاف بينها وبين دراسته الجديدة، حتى يُظهر أصالة عمله وجدواه. فالمشكلة ليست مجرد وصفٍ لحالة، بل تحديد دقيق لما يحتاج إلى حلٍّ علمي منظم.

في النهاية، يمكن القول إن صياغة مشكلة بحثية قوية ليست مهمة شكلية، بل هي أساس نجاح أي دراسة أكاديمية. فالمشكلة المحددة والواضحة تُوجّه الباحث نحو الطريق الصحيح، وتُكسب بحثه عمقًا وموضوعية. وكلما كانت المشكلة نابعة من حاجة علمية حقيقية ومدعومة بالأدلة، كانت فرص قبول البحث ونشره أعلى، مما يُسهم في إثراء المعرفة وتطوير الممارسة الأكاديمية في مجاله.