top of page

التعامل مع النظريات المعارضة في البحث العلمي .

  • shahddarwish333
  • 29 أكتوبر
  • 2 دقيقة قراءة
ree

يواجه الباحثون في مسيرتهم العلمية تحديات متعددة، من أبرزها وجود نظريات متعارضة تفسّر الظاهرة الواحدة بطرق مختلفة. هذا التعارض ليس ضعفًا في العلم، بل هو جوهر التطور العلمي؛ إذ إن تعدد التفسيرات واختلاف زوايا النظر يفتحان الباب أمام مزيد من الفهم والابتكار. ومن هنا، تأتي أهمية أن يكون الباحث قادرًا على التعامل مع هذا التباين النظري بموضوعية وعمق نقدي، دون انحياز أو إقصاء.


عند مواجهة نظريات متعارضة، تبدأ الخطوة الأولى بـ تحليل منطلقات كل نظرية وأسسها الفلسفية والمنهجية. فغالبًا ما يعود الاختلاف إلى اختلاف في الافتراضات المسبقة أو في طريقة النظر إلى طبيعة الظاهرة قيد الدراسة. فعلى سبيل المثال، قد ترى نظرية ما أن السلوك الإنساني ناتج عن عوامل بيئية مكتسبة، بينما تؤكد أخرى أنه نتاج لسمات فطرية داخلية. هنا، لا يكفي أن يختار الباحث إحداهما بناءً على التفضيل الشخصي، بل عليه أن يقارن بالأدلة والمعطيات العلمية ليحدد أيهما أكثر انسجامًا مع بيانات بحثه.


كذلك، يجب على الباحث أن يوضح في الإطار النظري كيف تعامل مع هذا التعارض: هل دمج بين النظريتين؟ أم رجّح إحداهما؟ أم استخدم مزيجًا منهما لتكوين رؤية أكثر شمولاً؟ فبعض الدراسات، خصوصًا في العلوم الاجتماعية والتربوية، تميل إلى الدمج البنّاء بين النظريات عندما تكون مكملة لبعضها البعض. على سبيل المثال، يمكن الجمع بين نظرية التعلم الاجتماعي ونظرية التحفيز الذاتي لتفسير سلوك الطلاب في مواقف تعليمية معينة.


أما إذا كان التعارض جوهريًا ولا يمكن الجمع بين النظريات، فالأفضل أن يُبيّن الباحث مبررات اختياره لنظرية بعينها، موضحًا سبب رفضه أو استبعاده للأخرى. هذا لا يُعدّ انتقاصًا من النظرية المعارضة، بل يُظهر أن الباحث واعٍ بالخلافات العلمية ويتعامل معها بعقل نقدي واحترام علمي. كما يمكن أن يُقدّم اقتراحات مستقبلية لدراسات تُعيد اختبار النظرية المرفوضة في سياقات مختلفة، مما يُعزز الاستمرارية البحثية والتفكير التطبيقي.


ومن المهم أيضًا أن يتجنّب الباحث الوقوع في التحيّز التأكيدي، أي الميل لاختيار النظرية التي تدعم أفكاره المسبقة فقط.


فالموضوعية الأكاديمية تتطلّب منه النظر إلى جميع الأدلة بحياد، حتى وإن كانت لا تصب في مصلحة فرضياته. كما أن الاعتراف بوجود تفسيرات بديلة لا يُضعف البحث، بل يجعله أكثر مصداقية واتزانًا.


في النهاية، إن التعامل مع النظريات المعارضة هو مقياس حقيقي للنضج العلمي. فالباحث المتمكن لا يكتفي بتبنّي نظرية واحدة دون تمحيص، بل ينظر إلى جميع الاتجاهات بعين التحليل والمقارنة. وعندما يقدّم تفسيره المدعوم بالأدلة والمنهج، يُسهم في إثراء المعرفة وتوسيع آفاق البحث العلمي. فالصراع بين النظريات ليس معركة لإثبات الصواب والخطأ، بل هو رحلة نحو فهمٍ أعمق وأكثر دقة للواقع.

 
 
 

تعليقات

تم التقييم بـ 0 من أصل 5 نجوم.
لا توجد تقييمات حتى الآن

إضافة تقييم
اتصل بي

أ.د. ميراهان فرج

 أستاذ بالجامعة ومستشار مناهج وطرق البحث العلمي

 خبير معتمد دوليا في التدريب وتطوير الموارد البشرية

 

بريد إلكتروني:

info@mirahan-farag.com

استاذ بجامعة حلوان بالقاهرة، مصر

أستاذ بجامعة الملك عبد العزيز بجدة، المملكة العربية السعودية

شكرا للتقديم!

  • Instagram
  • 584ac2d03ac3a570f94a666d
  • researchgate_icon_130843
  • LinkedIn-Icon-squircle

© 2020. تصميم ميراهان فرج

bottom of page